الخميس، 6 أكتوبر 2005

رمضانيات - 2

الأمازون – من الفولكلور الإغريقي



أسطورة النساء المحاربات مشتركة بين أكثر من حضارة قديمة. من أشهرها أسطورة الأمازون، المدونة في كتب الإغريق. فقد وصفهن هوميروس بالجمال وكمال الأجسام. ذوات شعر أشقر، وذوات براعة في القتال من على ظهور الخيل. جئن في السنة العاشرة من حرب طروادة لنجدة ملكها، والوقوف ضد جيش الإغريق. كما ذكر قصة هزيمتهن، بعد مقتل قائدتهن على يد أكيليوس. وذكر المؤرخ هيرودوتس بأنهن ينقلن موتاهن إلى مدافن القبيلة، في منطقة محددة في الشمال الشرقي من البحر الأسود.


من التصاوير الإغريقية المحفوظة لنساء الأمازون، نرى أن معظم هذه المناظر تصورهن في معارك حربية.


وقد ظلت قصص الأمازون المحاربات مجرد خرافة لعدة قرون. كما كانت مدينة طروادة من قبلها مجرد خرافة، حتى أواخر القرن التاسع عشر ـ لا تتعدى مخيلة شاعر أعمى. وكتب التاريخ القديمة تفتقر إلى أدنى أدوات البحث العلمي الرصين. فهي ليست إلا نقلاً شفهياً، وسرداً للفولكور، من دون تحقق، ومن دون نقد. لكن علماء الآثار وعلوم الإنسان، معتمدين على تلك الكتب، استمروا في البحث. فقد نجح شليمان من قبل في تبديد الشك في مدينة طروادة.
تم حديثاً اكتشاف مدافن في جنوب روسيا، ترجع إلى ما قبل ألفين وخمسمائة سنة، احتوت على رفات إناث، طويلات القامة. و مقوسات عظام الفخذ، نتيجة الركوب الدائم على ظهور الخيل. كما تم اكتشاف رؤوس سهام وحراب مدفونة في القبور، بالإضافة إلى بعض الحلي الذهبية، وقطع من الملابس الجلدية. ويدل البحث على أن تلك المجموعة تنتمي إلى مجتمع رعوي من إحدى القبائل الرحل التي كانت تجوب السهول الآسيوية الشاسعة. ويرجع الفضل لهذا الإكتشاف لعالم الآثار ليونيد يوبلانسكي من أكاديمية العلوم الروسية.
وشجع هذا الإكتشاف جـِنين ديفيس-كيمبال، مديرة المعهد اليوراسي الأمريكي للأبحاث، التابع لجامعة كاليفورنيا في بيركلي، إلى البحث عن سلالة هته النساء ـ في وقتنا الحاضر. وقادها بحثها، الذي استمر عشرة سنوات، إلى روسيا حيث المدافن، ثم آسيا الوسطى، ومنغوليا.
بدأت البحث في جنوب روسيا، وتم تحليل عينة من أحد القبور لمعرفة البصمة الوراثية للدفينة. وفي كازكستان، وجدت نساء إحدى القرى النائية بملابسهن الشعبية ذات النقوش الشبيهة بنقوش ملابس الأمازون المبينة في التصاوير الإغريقية. كما اكتشفت مقدرتهن العضلية على رميهن السهام من قسي مركبة، كالتي في التصاوير القديمة. وشجعها ذلك على متابعة البحث. إلى القبيلة الوحيدة في آسيا الوسطى التي مازالت على بداوتها، في سهول منغوليا الغربية. ولاحظت أن من بين النساء طفلة شقراء لا تتعدى التسع سنوات ذات ملامح قوقازية تفوق ملامحها المنغولية. وبمقارنة البصمة الوراثية للطفلة مع العينة المأخوذة من رفات أحد القبور المكتشفة، وجدت أن التطابق بين العينتين لا يدع مجالاً للشك بأن سلالة الأمازون مازالت موجودة في القرن الحادي والعشرين ـ بين آخر قبيلة رعوية من قبائل الكازاك.
وهكذا تبين لي أن أسطورة الأمازون ليست من تخاريف الشاعر الأعمى ـ بل هي حقيقة لا تقبل الشك. و سأرجع لقراءة الإليادة، قراءة متأنية ـ بعين أكثر احتراماً، و أقل شكاً من ذي قبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: للمزيد من المعلومات، , الرجاء الرجوع إلى موقع البرنامج المسلسل
Secrets of The Dead
لقراءة المقابلة مع جنين ديفيس-كيمبال.